11‏/10‏/2011

اعتراف فكرة مجنونة

قالت:
- فلتسترخ .
فرد قائلا :
- لا تقدر أعصابي على ذلك!
- أيُّ مشاكل توترك ؟
- أستطيع أن أقول لا مشاكل.
- ما حجم التزاماتك اليومية ؟
- مؤخراً لا التزامات قد تحررت من كل التزام .
- طيب ..ما نوع من تخالطهم ؟
- قد قاطعت الناس كلهم صالحهم وطالحهم !
- اذا ما المرض العضال الذي يفتك بجسدك ؟
- إني بخير وعافية فلا أمراض ولله الحمد .
- إذا ما الفكرة المجنونة التي تسيطر على رأسك وتجعلك مشدود الأعصاب.
- نعم ...نعم...نعم...لقد ذكرتيها إنها الفكرة المجنونة نعم هي ..هي السبب هي..هي... فلنمسك بها قبل أن تهرب .
(انتهى الحوار)
سمعت الفكرة المجنونة القول الأخير فسحبت مسرعة حقيبة سفر سوداء لها وتوجهت لأعلى رأسه واعتلت جمجمته ثم فتحت لها فتحة في الجلد فخرجت و حاولت أن تُخرج معها حقيبتها لكنها شعرت برغبته الشديدة بالإمساك بها فخشيت على نفسها فتركت الحقيبة تنفرط من يدها وفرت هي بنفسها .
أما هو فلحق بها أول ما حطت بقدميها على الأرض رأها مخلوقة غاية في الصغر سوداء..سوداء..سوداء..عارية تماما لها رأس ويدان وقدمان كالإنسان وأوضح ما فيها عيناها الكبيرتان.
قالت له وقد أمسكها وكاد يعصرها بقبضته :
- يا مجنون ستقتلينني .
فضحك من قلبه ليس على قولها ولكن فرحا  بقبضه عليها .
ثم عادت تقول:
- إني أصغر من أن أُعامل بهذه الخشونة.
فقال هو بهدوء:
- ماذا كنت تفعلين بالأعلى؟
و ردَت هي:
- ماذا كنت أعمل؟! ..كنت أعيش... هناك مسكني!!
- أريد أن تخبريني عن طبيعة عملك هناك .
- إني أعمل في وظيفتي .
- وما وضيفتك؟
- إدارة الأعضاء.
- ومن أنت حتى تديريهم؟
- إني أحب الإدارة والمكان هناك شاغر.. مالمشكلة إذا تفضلت وأدرت المكان ؟!
- ما أهدافك في العمل؟ ما غايتك ؟ ما رؤيتك ؟ وعلى أي أساس تقوم إدارتك؟
- سأصدقك القول كل شيء عندي قائم على نية واحدة
- ماهي؟
- الحركة ..هدفي أن يعمل كل شيء طوال الوقت بلا راحة ولا كلل..
- أنت غير صادقة إني لا أعمل !! قد أوقفت أكثر نشاطاتي والتزاماتي وعلاقاتي حتى بدوت كالميت..
- هاهاها إنك مسكين جسدك كله يتحرك بل ويُنهك من النشاط والحركة.
- صدقتي فعلا طوال الوقت اشعر بالإجهاد والتعب .
- عيناك لم أُرحهما أبدا .
- عيناي؟!
- نعم
- أنت لا تعمل لكن عيناك تدور مع قطيع الأفكار التي تدور في رأسك ..عيناك تلاحق طوال الوقت صور المثالية والكمال فهما لم تعرفا الراحة قط وكان جسدك يساندهما بأعصابه وخلاياه .
- كل هذا لا يهم ....إني أراك الآن توجهين الاتهام للعينين رغم أنك اعترفت من قليل أنك المحرك للجسد
- بصراحة أنا أتحكم في العينين وهي تقود الآخرين
- وكيف تتحكمين بها ؟
- الأمر في غاية السهولة صنعت غرفة مظلمة تشبه قاعة عرض السينما تحوي شاشات عرض كثيرة ودوري أنا هو توجيه العينين للشاشة التي أرغب في أن تراها
- و ماذا في كل شاشة ؟
- فيها صور طبعاً .
- صور لأي شيء ؟
- إني اختار صور حسب مزاجك في ذلك الوقت إن انتابك الحزن فاختارلها صور مؤلمة وإن انتابك الغضب فصور القتال وان جاءك شعور بالذنب وجهتها لشاشة مليئة بصور التعذيب وان حل بك اليأس فصور الإجهاد والضعف .
- اسمعي أيتها الفكرة أنت تحاولين تعظيم قدرتك لكنك لم تفلحي إن كان القول كما ذكرتي فهذا يعني أنك لا تتحكمي بشيء بل المشاعر هي المُسَيِرة .
- صحيح هذا ما يحدث فعلا لكني بذكائي واجتهادي ومثابرتي أستطيع تعظيم تلك المشاعر بنوعية وكثافة الصور التي أعرضها .
- وما ذا تفعلين حين تنتابني مشاعر السرور والأمل؟
- هنا يحصل شيء غريب.. تنزل من أعلى سقف القاعة شاشات جديدة فيها صور جديدة لم أصممها ولا تعجبني حتى !! شاشات تملؤها الصور المشرقة وهنا يزيد عبء العمل علي فأشغِّل كل شاشات القاعة وأزيد من سرعة الصور وتنوعها لأُشتت انتباه العينين بل وأزيد في مكبرات الصوت وما هي إلا ثواني حتى تطغى قوتي وترتفع تلك الشاشات الدخيلة..
- كل هذا والعينان لا تدري بهذا المخطط !
- وما الذي سيدريها ؟
- أين العقل؟ أين هو كل ذلك الوقت لِمَ لَم يُنبها
- إنه نائم .
- نائم ؟!
- نعم هو غاضب من زمن بعيد وأعلن أنه لن يتدخل في أي شأن لأي أحد ..
- ومما هو غاضب ؟
- إنه يرى الفوضى كما يسميها لكنه لم يستطع فهم أسبابها لقد شعر أن الأمور خرجت عن سيطرته
لذلك قرر أن ينام . ولأني ذكية نبيهة أستغللت الفرصة وبدأت أدير الأمور.
- طيب وقبل مجيئك من الذي كان يسبب الفوضى؟
- أنا .
- كيف ؟
- كنت أضايق العقل وأحاول أن أزحزحه عن كرسيه ..كنت حين يغفل قليلا أعبث في المحرك فيجن جنونه..
- وكيف لم ينتبه لعبثك ؟
- هاها ..المسكين كان يُجهد أحيانا فيغفو فاستغل الفرصة .
- وهل العقل مطالب بألَّا يغفو أبداً حتى لا يتسلل أحدٌ لكرسي القيادة ؟!
- لا بل هو مطالب بأمر آخر لكنه يتجاهله.
- وما هو؟
- الاعتراف بقصوره وضعفه وتقبله بأن يعاونه آخرون في الإدارة.
- لن يسمى عقل لو قبل بالتعاون مع فكرة سوداء مثلك.
قالت الفكرة بكل هدوء:
- لم يكن مطالب بالتعاون معي أنا بل مع أحد آخر غيري لكنه العقل لا يتقبله .
- من تقصدين؟
- أقصد القلب ذلك المخلوق الهاديء العطوف إني أشعر أحيانا في بعض تصرفاتي العدوانية أنها انتقاما مني لذلك القلب .
- وما شأنك أنت؟
- إني أكره التعالي والتكبر..كان العقل متعاليا لأبعد حد لم يُرد التعاون مع القلب في الإدارة قط .
كان يزعم بأنه أعلم وأذكى أقوى وينعت القلب بالبدائية والجهل والضعف كان يحتقره لدرجة أنه حتى لم يسمح له يوماً بدخول غرفة التحكم .
- وأنتِ كيف دخلتي غرفة التحكم ؟
- قلت لك كنت أنتظر إرهاق العقل وغفواته فأنسل وأعبث بما قدر لي أن أعبث به ثم أهرب.
- ولِمَ لَم يفعل القلب مثلك فينسل ويصلح من الأمور لحظات غفوة العقل.
- لا.. لا ..
- ولِمَ ؟
- ذلك يحتاج للتلصص والمخادعة و المقاتلة والقلب لا يفعل ذلك .
- كان عليه أن يفعل لمصلحة الجسد كله لو فعل ذلك لكان فدائياً .
- أنت لا تعرف القلب .. القلب لا تهمه الألقاب والمسميات .
- لكن كان يجب أن يضحي من أجل الجسد كله وليس من أجل الألقاب.
- القلب يعرف ما يجب عليه و لا تضلله العواطف الجياشة .
- هاها.. ليتك تسكتين إنه القلب أبو العواطف فكيف لا تطغى عليه العواطف.
- اسمع إنه مركز العواطف لكن دوره هو الشعور أما طغيان العواطف فهذه أفاعيل لا تحدث إلا بمباركة العقل أو غفلته ..ولن تجد أكثر حكمة في الجسد من القلب..
- لكن الحكمة منذ عرفنا أنفسنا تنسب للعقل !!
- نعم ذلك حين يُنفذ العقل أوامر القلب.
- أنت فكرة سوداء تريدين التلاعب بي .
- حين كنت داخل جسدك كنت أفعل ذلك أمَّا الآن فأنا في قبضتك .
- وكيف أصدقك ؟
- يمكنك تفقد الأحوال الآن داخل جسدك بعد خروجي لترى ما يحدث الآن ولتعرف أيهما أحكم العقل أم القلب.
بعد هذا الحديث الطويل نظر صاحب الجسد من بعيد إلى داخل جسده فلمح العقل يقوم من على سريره مبعداً لحاف سماوي جديد كان يغطيه فينظر للِّحاف ثم ينظر إلى صاحب الجسد ويقول وقد قام من نومة طويلة لا يدري متى بدأت وكيف انتهت:
- لِمَ أنا هنا ؟ وما هذا الكلام الذي سمعته ؟
ثم يقول معتذرا :
- صدقني كنت كالتائه ..كنت مجهدا و نومتي الطويلة هذه لم تكن باختياري!
هزَّ رأسه ألا بأس عليك.
ثم نظر للقلب جالس في مكانه بخشوع لا يتكلم بشيءٍ لكن آية قرآنية مرتلة تملأ المكان الذي هو فيه
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)

18‏/09‏/2011

صورة السخط

كان يدور في غرفة أرضها وجدرانها من الإسمنت ولها نافذة بقضبان  وباب من حديد ..
يدور في الغرفة ثم يتوقف وينظر يمينا فيرى وجه امرأته الجميلة فيبصق فيه ,ثم يلتفت يسارا فيرى أطفاله الثلاثة يلعبون فيصرخ بهم ويفض جمعهم ,ثم يفتح الباب فيرى أصدقاءه يبتسمون له فيغلقه في وجوههم وهو يسب ويشتم .
ويعود للدوران فيرى وجه أمه وأبيه ويشيح عنهم بوجهه ثم يصطدم براوي القصة فيصرخ به قائلاً :
- وأنت أيضا ماذا تريد ؟
فيرد الراوي بقوله :
- تبدو ساخطا !!
- وما شأنك ؟
- ليس لي شأن إنما هي ملاحظة .
- لم أطلب ملاحظاتك .
- أأستطيع مساعدتك ؟
- نعم بالكف عن الكلام معي.
- جئت لأساعدك .
- جئت لمساعدتي أم لتروي مأساتي ؟!
- ما أنا إلا راوي .
- لم آذن لك برواية قصتي .
- لكني لم أستأذنك !
- لعنة الله عليك .
- ألم أقل لك : (تبدو ساخطا ).
- أجئت لتقدم المواعظ؟
- بل لأقدم يد المساعدة .
- إذاً كفّ عمّا تفعل ..كفّ عن الرواية .
- قد تساعدك رواية حالك .
- لكني لم آذن لك !
- وما الذي يزعجك فيها .
- إنها تحكي عيوبي .
- وما عيبك ؟
- أنت تريد أن أكون عبرة وعظة لغيري !!!
- لم أقل ذلك .
- لكن ذلك ما سيحصل .
- لتدعه يحصل .
- وأي مساعدة لي في ذلك ؟
- أنت لا زلت ترفض المساعدة .
- لا لن أرفض المساعدة .... الآن هات ما عندك ...بِمَ ستساعدني ؟
- بأشياء كثيرة .
- مثل ...
- مثل أن تفكر في حالك .
- ما به حالي ؟
- هل يسعدك حالك ؟
- بربك أتسمي هذا السؤال مساعدة ؟
- نعم ..لأنك لم تفكر فيه قط .
- لتعلم أن ما أتعبني إلا التفكير بأن حالي لا يسعدني .
- إذن أنت ساخط .
فصرخ الرجل في غيض :
- نعم ساخط .. أسررت الآن ؟ أوصلت إلى ما تريد سماعه ؟
نعم أنا ساخط ..يا عالم ..يا كائنات.. ياكون  أنا ساخط ساخط ساخط
و سكت قليلا ثم عاد يقول بعد لحظة هدوء :
- هيّا قل لي بما تستطيع مساعدتي ؟
ورد الراوي بهدوء ورحمة :
- أتحب الله ؟
فأجاب الرجل بغلظة :
- ويلك ستبدأ في المواعظ؟ لن أسمع لك ..إني لا أحب المواعظ.
- ما المواعظ في نظرك ؟
- أي شيء فيه ذكر لله فهو موعظة .
- وما الذي يزعجك فيها ؟
- هي لا تزعجني لكنها لا تهزني ولا توقظني ولا تؤثر فيًّ .
- يبدو قلبك قاسيا !!!
- أيها الواعظ المعتوه أتسمي أسلوبك وعظا بالحسنى ؟ إنك تنعتني بصاحب القلب القاسي !!
كيف سأسمع لك وأنت تسبني ..لتفرح الآن بما سأقوله لك..(إنك لا تجيد الوعظ ) لذلك قلبي قاس لا يتأثر ..
اسمع لستَ من يستطيع مدُّ يد العون لي ..هيا لتفارق المكان حالا..
هنا شعر الراوي بالأسف والتفت  إلى الرجل وهو يغادر قائلا :
- اقبل اعتذاري كنت أريد المساعدة .
لكن الرجل تجاهله وعاد يدور في الغرفة يملؤه الغضب والسخط.
في هذا الوقت بقي الراوي بقرب باب الغرفة من الخارج رافعا يديه :
- يا رب أردت الخير لكني لم أفلح ..أستغفرك ..سامحني وأصلح قلبي وقلبه .
وأطال الراوي الدعاء وفي غمرته شعر  بصوت ضعيف بعيد فتلفَّت فرأى حجراً أسود صغيرا بقربه يهتز فرفعه فوجد تحته طفل صغير جدا كعقلة الإصبع فحمله في كفِّه ثم قال :
- من أنت ؟
- مخلوق صغير ضعيف (كانت صورته صورة الرجل الساخط وهو طفل صغير )
- ماذا تفعل هنا ؟
- قد سمعت ما دار بينك وبين صاحبنا أدخلني عليه فأنا أستطيع مساعدته .
استجاب الراوي وأدخل الصغير من تحت باب الغرفة وكان الرجل نائما فاقترب الصغير منه وجلس بقرب أذنه اليمنى وقال :
(يا صاحبي فيك خير كثير
يا صاحبي ما أنت فيه كرب سيفرجه الله.
يا صاحبي لا تنصت لأحد فقط أنصت لقلبك الطيب .
يا صاحبي إني أحبك فأحب نفسك .
يا صاحبي والله يحبك.
يا صاحبي إذا استيقظت ستجد بقربك هدية فاقبلها ولا تردها.)
ثم أسرع المخلوق الصغير بالخروج من حيث دخل لمَّا أحسَّ بدنو يقظة الرجل.
وقام الرجل من نومه بهدوء غير معتاد فرأى في وسط الغرفة كتاب أخضر ثم رأى فإذا به المصحف الكريم فتذكر أنه سمع صوتا وهو نائم يبشره بهديّة فتبسّم ومس المصحف بيديه فانفتح باب الغرفة على مصراعيه وتكسرت قضبان النافذة وشعّ ضوء الشمس يملأ الغرفة وسمع للحياة بالخارج ضجيج محبب.

01‏/09‏/2011

الزهريات


 بعثرت كل شيء فتشت كل الأدراج و نفضت فراشها و نظرت خلف كل الستائر و رفعت السجاد و لم تترك مكانا حتى ملابسها بحثت في كل خفاياها و شعرها فكته ونفشته ..
لم يبقى إلا مكانا واحدا إنها الصخور الثلاثة في وسط غرفتها !
صخرة تبلغ ثلثي طولها  وصخرتين أصغر بجانبها  وجود هذه الصخور في غرفة صغيرة  بأثاث أنيق لم يكن منطقيا بالنسبة لي أنا أما هي فتراها جزء من غرفتها لم يثر وجودها استنكارها أبدا.
لكنها بعد تعب  البحث وفي لحظة اليأس انتبهت  للصخور واقتربت ببطء منها وهي تشير بإصبعها إليها وتقول :
لم يبق إلا هنا .....هنا يجب أن أبحث عن الأسباب .. حاولتُ بكل ما أُتيتُ أن أمنطق الأمور و أن أدعي فهم مايجري لي ومعي إلا أني بقيت تائهة بقيت أكبر من يجهل مايحدث لي وبحثت عن الأسباب في كل مكان قابل للبحث فيه لكني لم أفكر يوما في الصخور !!
لمست الصخرة الوسطى الكبيرة بيديها ثم قالت بسم الله ودفعتها لتزحزحها عن مكانها فانزاحت بسرعة تفوق قوة الدفع وكأنها صخرة بعجلات
ورأت تحت الصخرة فوهة بحجم الصخرة مظلمة وما كانت تحب الظلمة لكنها رأت أن هذه الفوهة باب اكتشاف فُتِح لها وشعرت بيدين كبيرتين بقربها معها حبل غليظ  فأمسكت اليدين بطرف الحبل وألقت بطرفه الآخر إلى الأسفل و حثتها على النزول ورأت هي أن لابد لها من النزول والاكتشاف بعد ما هُيأت لها  السبل  فتمسكت بالحبل ثم وضعت إحدى رجليها داخل الحفرة وأتبعتها الأخرى ونزلت ببطء وحذر حتى صكت قدميها بأرض صلبة في الأعماق المظلمة فتركت الحبل الذي بقي يتدلى بجانبها ومشت خطوات في ظلمة حالكة ثم جلست و ضربت الأرض بيمينها وسمعت لضرباتها صدى في المكان ثم قالت :
أيوجد أحد هنا ؟
فما أن أنهت الحرف الأخير حتى أحست بيد تمس يدها وترفعها من على الأرض ثم تضمها يد أخرى بحنان  فجفلت وتراجت ثم سمعت صوت شيخ كبير يقول :
- مرحبا بك ابتي ..
فسحبت يدها خائفة وقالت :
- من أنت ؟
قال : أنا الخير.
 قالت :
- الخير؟! وهل الخير يحتاج أن يختبيء عن الناس أسفل الأرض ويسكن الظلمة ؟!
قال :
- نعم أنا الخير الذي لم تكتشفيه إلا هذه اللحظة.
 قالت:
 - لكنك مخيف !!
قال:
 - نعم أبدو مخيفا أحيانا .
قالت :
- اسمع أنا جيئت أبحث عن الأسباب وعن تفسير منطقي للأمورمن حولي فهل يعقل أن تكون أنت سبب تعقد أموري وبعثرت حالي ؟!
ابتسم الشيخ فلم ترى ابتسامته في الظلمة ثم قال :
- أنا الخير الذي تحتاجينة لتسير أمورك منسابة ولتجمعي به شتات أمرك .
قالت:
- أنا لا أكرة الخير لكني حالياً في حاجة شديدة لمعرفة الأسباب و طبيعة ما يحدث بالضبط أريد معرفة كل الأسباب التي تعثرني في طريقي لأكن على بيِّنة و  بذكاء كافي يحميني.
ابتسم الشيخ ثانيه من غير أن تراه هي وربَّت على يدها وبها قليل من الخوف منه وقال:
- وجودي في حياتك وتعرفك علي يكفل لك ذلك كله وأكثر.
 فقالت في عناد :
- لكني مصممة على معرفة الأسباب .
قال :
- أتعرفين لِمَ تصرين على معرفة الأسباب رغم كل ماقلته لك ؟
قالت :
- نعم أعرف ..أُصِرُّ لأني كرهت بقائي جاهلة وغبية .
 ابتسم وقال :
- بل لأنك لا تثقين بي
ردت هي :
- لا أنا أصدقك فلا يمكن أن توجد في هذه الأعماق البعيد ة و تتكلم بكل هذا الهدوء وهذه الثقة ثم تكون كاذباً.
فقال الشيخ :
- ليس الأمر في صدقي من عدمه لكن الأمر في درجة تصديقك وثقتك بقولي .
استحت المرأة من نفسها ومن سخف مجادلتها ثم قالت :
- طيب كيف سيكون الأمر إن بلغت مرتبة عُليا من تصديقك؟
قال :
 - أول ما سيحدث أن هذه الظلمة التي تلفنا ستنكشف وسترينني ثم سترين أن هذه الحفرة العميقة ماهي إلا أرض مستويه في وسط غرفتك.
 قالت :
- والصخرة الكبير والأخريتان على جانبيها ؟
قال :
- سترين زهرية كبيرة على جانبيها زهريتن أصغر منها وقد تحملينها كلها وتبدلي أماكنها من وسط الغرفة إلى مكان آخر لئلا تتعثري بهما أو يتعثر بهما غيرك.
كان الشيخ يتكلم وهي ترى مايقول في خيالها وما أن انتهى حتى قالت :
- نعم لقد رأيت كل ذلك في خيالي وأراني أصدقك .

ومع كلمة ( أصدقك ) التي قالها قلبها ولسانها أضاء المكان فرأت أمامها الشيخ الكبير يلبس ثوبا أخضرو له لحة بيضاء ثم ارتفع بهما المكان حتى تساوت أرضهما بأرض غرفتها ثم رأت الزهريات الثلات حولها فحملتها جميعا وذهبت تتخير لها أماكن في جوانب  الغرفة.

22‏/07‏/2011

صغيرة اسمها : رغبة في الخير

 رأيتها تركض وتختبييء خلف صخرة صغيرة
لحقتها وقلت مبتسمة و أنا أطل برأسي عليها :
- السلام على الحلوين ..
فغطت وجهها بيديها وانكمشت على نفسها .
لا أدري مالذي فعلته !!
هل أحرجتها أم أني أخفتها ؟؟
لا أخفيكم  حككت رأسي حيرى ثم قلت لها بلطف :
- هل أزعجتك ؟.
قالت ووجهها لا يزال بين يديها :
- لقد أخفتيني .
تراجعت للوراء كنت سعيدة برؤياها ولحقت بها وهي تركض لألاعبها ...
وهذا ما يحبه الأطفال لكني أخفتها ...
عدت لمكاني الأول وجلست أفكر وقلت لنفسي :
كان علي ألا أتصرف معها بفرح مبالغ فيه إنها لا تعرفني كان علي أن أشعرها في البداية بالأمان ثم أعرفها بنفسي وأترك لها فرصة لتحدثني عن نفسها أما ما فعلت مما ظننته  ملاطفة!!
ما كان  إلا هجوم همجي  بالنسبة لها....
الآن يجب ألا تشعر بمراقبتي لها سأنشغل بشيء مفيد حتى تشعر بالأمان وتخرج باختيارها...
تدرون ماذا فعلت أحضرت ماء وتراب وإسمنت وصرت أُلهي نفسي ببناء مجسم لبيت ....
كنت أبني على الرصيف قرب المقعد الذي كنت عليه أما هي فكانت على الرصيف الآخر خلف صخرتها ...
بقيت وقت حسبته دهرا  بعد كل لحظة أسترق النظر إلى الصخرة علّها تخرج
لكنها لم تخرج فصرت أسلي نفسي بإجادة البناء صحيح أنه ليس ببيت حقيقي ...وصحيح أني أبنيه على رصيف شارع عام وصحيح أنه ما من هدف من بنائه إلا مخادعة تلك الصغيرة إلا أن الأمر صار مسلي وبدأت أتذوق المتعة فيه بل وسآخذ له صورة بعد أن أنهيه .
لا خطرت لي فكرة أخرى سأصور  خطوات بنائه أشعر أني سأعمل به تحفة فنية تستحق الإشادة ...
لقد انشغلت بذلك فعلا حتى أني نسيت الطفلة ....لم أعد أشعر بشيء لا بمن حولي ولا حتى بنفسي ..ذكرني صوت بطني بالجوع فذهبت لمحل صغير قريب واشتريت فطائر ثم رجعت إلى عملى آكل بقربه ...كان المارة يتوقفون أمام تحفتي ينظرون إليها بإعجاب .
البعض كان يسخر من شيء واحد :
- كيف تبنين على الرصيف ؟  إن مصيره الزوال ..
كنت أرد :
- هذا ليس بيتا حقيقيا إنه مجرد تحفة ..
فيأتيني جوابهم :
وإن يكن !!( ثم يمضون )
ذكرني سؤالهم بالطفلة بهدفي الحقيقي .
في ذلك الوقت كان الناس حولي يتفرجون على عملي فتسآءلتك :
ماذا حلَ بالطفلة أتكون قد خرجت من خلف صخرتها وهربت ؟
هل أذهب أنظر في المكان ؟
ماذا لو كانت هناك فأخيفها ثانية بتفقدي لها..
أتاني شعور يخبرني أن ما أفعل الآن هو الصواب وأنها لن تذهب لأنها لي وأني لها ..
ارتحت لهذا الشعور وعدت أكمل بنائي وأجيب على أسئلة المارة
تفرق الناس مع قرب الليل وشعرت ببعض الهدوء وفضلت الإستراحة ..
تمددت على كرسيي الخشبي الطويل على الرصيف وفكرت في لذة الإنجاز..
 (ماذقت هذا الطعم من زمن بعيد كان همي هو البحث عن طفلتي المفقودة فلما وجدتها هربت مني ...
لا أدري ما الأمر لعلي لا أستحقها ....)
ولما هدأت قليلا  نمت في مكاني ....
الآن أنا  نائمة أعرف أن ظلمة الليل تكون حالكة ..
لكن في تلك الليلة كان البدر منيراً وأظن أن حجمة صار ضعف حجمه الطبيعي خمس مرات..
 طبعا أنا لم أكن أدري لكن الصغيرة كانت تدري..
 كانت مستيقظة فلما أحست بالهدوء والأمان خرجت بلا خوف
واقتربت من مكاني وصارت تتأمل بنائي
 تمنت ان تراه  لكثرة ماسمعته من تعليقات المارة لكنها لم تجروء على الخروج آنذاك...
ثم اقتربت مني في هدوء وبقت بقربي تتأملني نائمة بحب ..
ما الذي حدث اثناء ذلك ...
أتدرون ما حدث لقد شعرت روحي بها وبقربها فخرجت لا أدري من أين ؟
فسلمت على الصغيرة
وردت الصغيرة السلام كل ذلك بهدوء تام وكأنهما تعرفان بعض من زمن
أما أنا فمددة بقربهما في نومي العميق
قالت روحي للصغيرة :
- تحبينها صحيح
قالت الصغيرة :
- طبعاً.
الروح مشيرة إليّ:
- لقد نامت وهي متشوقة لرؤيتك .
الصغيرة : أدري لكني لم استطع الخروج.
الروح : أتخافين منها ؟
الصغيرة : جدا
الروح : ما الذي يخيفك فيها .
الصغيرة : اندفاعها .
الروح : كيف؟
الصغيرة  : إنها متهورة إنها لا تحسن التحكم بإنفعالاتها فرحها قوي حماسها قوي وغضبها قوي وحزنها قوي واكتيئآبها قوي إنها لا تعرف إلا الشدة والعنف .
الروح : مسكينها إنها لا تدري عن نفسها
الصغيرة : لكن ذلك يخيفني
الروح : وكيف  نساعدها ؟
الصغيرة : لا أدري لكن عليها ان تتحكم في مشاعرها .
الروح : لعلها تفسر العنف في  مشاعرها بالصدق .
الصغيرة : ربما  يكون هذا صحيح لكنه مخيف .
الروح : لكنك تفهمينها ويمكنك  مسايرتها.
الصغيرة : لا لا ..الأمر لا يتطلب تفهم فقط بل يتطلب قوة ..
ما أستطيع مسايرتها أنا ضعيفه لا أزال صغيرة
إني احتاج لمن يعتني بي لا يمكن أن أكون أنا المعتنية .
الروح : وما الحل أنها فرحة بك وتحتاجك .؟
الصغيرة : عليها أن تتغير.
الروح : لا يمكن أن نجبرها على التغير!!
الصغيرة : لن نجبرها هي ستختار التغير.
الروح : وكيف سنقنعا؟
الصغيرة : سنخيرها ؟
الروح : في أي شيء نخيرها ؟
الصغيرة : سنخيرها بيني وبين العنف ؟
الروح : طبعا ستختارك لكن تحتاج لوقت لتكتسب الرفق
الصغيرة : لا مشكلة ...سوف أنتظرها حتى تكتسبه
الروح : لكنها لا تعرف الكيفيه؟
الصغيرة: بل قد عرفتها
الروح : متى عرفتها ؟
الصغيرة : مذ  بدأت في بناء هذا البيت ..(وأشارت إلى البيت الصغير على الرصيف)

15‏/06‏/2011

طوفان الدمع

دموح تتساقط من المقلتين عجلى تمسك كل دمعة بيد الأخرى تجري وتستعجل كل واحدة الأخرى هربا من طوفان منتظر
تقول دمعة  - وقد توقفت عن الجري وانحنت تصلح أمر حذائها السماوي ذو الكعب العالي  وأختها تجرها أن اركضي -
تقول:
على مهلك على مهلك خرجت رجلي من نعلي .
ردت أختها :
ليس هذا وقت اصلاح النعل ..اركضي الطوفان قادم .
سحبت الدمعة يدها من يد أختها بعنف وقالت :
أنا اخترت أن ألبس حذائي .
الأخت بخوف وترقب :
قلت لك الطوفان قادم .
قالت :
ومن قال لك أني أخاف الطوفان .
الأخت :
ماذا دهاك ما أنت إلا قطرة من دمع ستضيعين في الطوفان .
قالت الدمعة :
وما الطوفان ؟
الأخت :
إنه طوفان الدمع القادم .
الدمعة :
وما المشكلة في هذا الطوفان إنه دمع وأنا دمعة إنه مني وأنا منه .
الأخت :
لكنه طوفان .
الدمعة :
وماذا يعني هذا ؟
الأخت بحماس :
إنه يعني الغرق و الدمار .
الدمعة :
نعم لغيري قد يعني ذلك لكني أراه أصلي ..أراه مجموعة أهلي وأصدقائي ..
أثناء ذلك رأت الدمعة الأخت طوفان الدمع العظيم فصرخت وولولت ..ثم  رجت اليدين أن تمسحها من الوجود قبل أن يجرفها الطوفان وكان لها ذلك ..
أما الدمعة ذات الكعب السماوي العالي فالتفتت إلى الطوفان ومدت يديها أقصى ما تستطيع من المد وكأنها ستضم الحبيب الغالي وأقبل إليها طوفان الدمع غير مبالٍ وجرفها  وهي تضحك  وجرى بها وهي مستلقيه  مستريحة وهو يميل بها يمنة ويسرة وكأنها على سرير مائي تتأرجح فقالت الدمعة لنفسها بهدوء :
هذا اقصى ما أتمنى أن أجد قوة تضمني وترعاني وأن يكون  مصيري مصيرها ..

06‏/06‏/2011

توقف !!

متوقفة في مكانها ...لا حراك ...لا شيء...لا أحد ...
فتاة نحيلة أنيقة ترتدي لباس سماوي منطوية على نفسها في حال الوقوف في ليل حالك وطريق مظلم ..
ترى الأنوار والأضواء تتراقص من بعيد لكنها لا تجروء على ترك مكانها وكأنها تنتظر أحداً يهمها أمره أو كأنها قد هددت إن هي غادرت ....
كانت تحدث نفسها عما يجعلها واقفه في مكانها وتسأل نفسها ( أأنا خائفة ؟ وممن ؟)
تلقت الجواب من عصفور رمادي مسرعا إلى وكره في الظلمة..قال وهو يمر من فوقها :
- نعم أنت خائفة ...أنت في خوفك مثلي ..
وما أن رفعت رأسها تنظر إليه حتى غادر ..كان عابر سبيل ...
عادت تتلفت في الظلمة وقد أيقنت بأنها فعلاً خائفة..قالت :
- ليتني أحظى ببعض الأمن لأعرف الإجابة على سؤال :
لِمَ أنا خائفة ؟
ما أن أنهت العبارة حتى أطل العصفور برأسه عليها ثانية قائلاً :
- لا أفضل من وقت الخوف لمعرفة أسبابه .
قالت :
لكني لا أجد وقتا الآن إلا للخوف إني أترقب أتلفت بلا إرادة مني ..إني أشعر بأن حدثاً  على وشك الوقوع ..
قال العصفور :
- فليقع!
قالت :
- لكني قلقة .
قال:
- مما ؟
قالت : أنا قلقة من وقوع شيء لا أعرفه.
قال : وهل تشترطين معرفة الشيء قبل وقوعه ليذهب قلقك ؟
قالت : ربما .
قال : إذاً لن يغادرك الخوف والقلق حتى تغادري شرطك .

03‏/06‏/2011

كنوز السعادة

ركضت المجنونة إلى صندوق أسود فالتقطته !!
حجمه بحجمها حوله حزامان جلديان غليظان حملته وركضت به إلى كهف بعيد ثم جلست عليه
جيئتها في هيئتي الجميلة ..
كان كهفها واسع نظيف وفيه شعلة واحدة تضييء المكان ..
سلمت عليها فما ردَّت ..بدت غضبى عليَّ ..
قلت :
لماذا هربتِ بالكنز ؟
قالت : هذا ليس كنز إنه كنوز ..
قامت من على الصندوق وفتحته فإذ به جواهر ملونة الجوهرة الواحدة تملأ كف اليد!!
قلت : ياللروعة!!
فأسرعت وأغلقت الصندوق قائلة :
لكنك لا تستحقينه !!
قلت فرحة : أهو لي ؟
قالت : نعم متى ما استحقيتيه .
قلت : وكيف استحقه ؟
قالت : إذا عرفتي كيف تحافظين عليه .
قلت : وما أدراك أني لا أعرف كيف أحافظ عليه ؟
قالت : أنت لم تنضجي بعد ..
ضحكت ملء فيَّ ثم قلت :
أرجو أن لا تغضبي علي ..لكني قد أكون أنضج منك .
قالت :ليس هناك دليل .
قلت : تكفي هيئتي ..يبدو علي من خلالها النضج مقارنة بك .
قالت : هذا لا يكفي .
قلت بقليل من السخرية  :
 مالذي يكفي إذن ؟ هيا علميني ؟
قالت : الذي يكفي أن تملئي قلبك بالحب .
قلت : الحب!! حب ماذا ؟
قالت : حب مافي الصندوق وحب المحافظة عليه .
قلت :لابد اني سأفعل ذلك مادام كنزي الخاص.
قالت بإشفاق :
تعيديني أن تفعلي ذلك ؟
قلت مستسهلة الامر :
 أعدك .
ففتحت المجنونة الصندوق بحذر وكأنها ستسلمني عزيز عليها ثم قالت :
هيا استلمي كنوزك .
فما أن فتحته حتى خرج منه صغاري يتدافعون ويضحكون ثم يتحلقون حولي يصيحون بفرح :
ماما ...ماما..