22‏/07‏/2011

صغيرة اسمها : رغبة في الخير

 رأيتها تركض وتختبييء خلف صخرة صغيرة
لحقتها وقلت مبتسمة و أنا أطل برأسي عليها :
- السلام على الحلوين ..
فغطت وجهها بيديها وانكمشت على نفسها .
لا أدري مالذي فعلته !!
هل أحرجتها أم أني أخفتها ؟؟
لا أخفيكم  حككت رأسي حيرى ثم قلت لها بلطف :
- هل أزعجتك ؟.
قالت ووجهها لا يزال بين يديها :
- لقد أخفتيني .
تراجعت للوراء كنت سعيدة برؤياها ولحقت بها وهي تركض لألاعبها ...
وهذا ما يحبه الأطفال لكني أخفتها ...
عدت لمكاني الأول وجلست أفكر وقلت لنفسي :
كان علي ألا أتصرف معها بفرح مبالغ فيه إنها لا تعرفني كان علي أن أشعرها في البداية بالأمان ثم أعرفها بنفسي وأترك لها فرصة لتحدثني عن نفسها أما ما فعلت مما ظننته  ملاطفة!!
ما كان  إلا هجوم همجي  بالنسبة لها....
الآن يجب ألا تشعر بمراقبتي لها سأنشغل بشيء مفيد حتى تشعر بالأمان وتخرج باختيارها...
تدرون ماذا فعلت أحضرت ماء وتراب وإسمنت وصرت أُلهي نفسي ببناء مجسم لبيت ....
كنت أبني على الرصيف قرب المقعد الذي كنت عليه أما هي فكانت على الرصيف الآخر خلف صخرتها ...
بقيت وقت حسبته دهرا  بعد كل لحظة أسترق النظر إلى الصخرة علّها تخرج
لكنها لم تخرج فصرت أسلي نفسي بإجادة البناء صحيح أنه ليس ببيت حقيقي ...وصحيح أني أبنيه على رصيف شارع عام وصحيح أنه ما من هدف من بنائه إلا مخادعة تلك الصغيرة إلا أن الأمر صار مسلي وبدأت أتذوق المتعة فيه بل وسآخذ له صورة بعد أن أنهيه .
لا خطرت لي فكرة أخرى سأصور  خطوات بنائه أشعر أني سأعمل به تحفة فنية تستحق الإشادة ...
لقد انشغلت بذلك فعلا حتى أني نسيت الطفلة ....لم أعد أشعر بشيء لا بمن حولي ولا حتى بنفسي ..ذكرني صوت بطني بالجوع فذهبت لمحل صغير قريب واشتريت فطائر ثم رجعت إلى عملى آكل بقربه ...كان المارة يتوقفون أمام تحفتي ينظرون إليها بإعجاب .
البعض كان يسخر من شيء واحد :
- كيف تبنين على الرصيف ؟  إن مصيره الزوال ..
كنت أرد :
- هذا ليس بيتا حقيقيا إنه مجرد تحفة ..
فيأتيني جوابهم :
وإن يكن !!( ثم يمضون )
ذكرني سؤالهم بالطفلة بهدفي الحقيقي .
في ذلك الوقت كان الناس حولي يتفرجون على عملي فتسآءلتك :
ماذا حلَ بالطفلة أتكون قد خرجت من خلف صخرتها وهربت ؟
هل أذهب أنظر في المكان ؟
ماذا لو كانت هناك فأخيفها ثانية بتفقدي لها..
أتاني شعور يخبرني أن ما أفعل الآن هو الصواب وأنها لن تذهب لأنها لي وأني لها ..
ارتحت لهذا الشعور وعدت أكمل بنائي وأجيب على أسئلة المارة
تفرق الناس مع قرب الليل وشعرت ببعض الهدوء وفضلت الإستراحة ..
تمددت على كرسيي الخشبي الطويل على الرصيف وفكرت في لذة الإنجاز..
 (ماذقت هذا الطعم من زمن بعيد كان همي هو البحث عن طفلتي المفقودة فلما وجدتها هربت مني ...
لا أدري ما الأمر لعلي لا أستحقها ....)
ولما هدأت قليلا  نمت في مكاني ....
الآن أنا  نائمة أعرف أن ظلمة الليل تكون حالكة ..
لكن في تلك الليلة كان البدر منيراً وأظن أن حجمة صار ضعف حجمه الطبيعي خمس مرات..
 طبعا أنا لم أكن أدري لكن الصغيرة كانت تدري..
 كانت مستيقظة فلما أحست بالهدوء والأمان خرجت بلا خوف
واقتربت من مكاني وصارت تتأمل بنائي
 تمنت ان تراه  لكثرة ماسمعته من تعليقات المارة لكنها لم تجروء على الخروج آنذاك...
ثم اقتربت مني في هدوء وبقت بقربي تتأملني نائمة بحب ..
ما الذي حدث اثناء ذلك ...
أتدرون ما حدث لقد شعرت روحي بها وبقربها فخرجت لا أدري من أين ؟
فسلمت على الصغيرة
وردت الصغيرة السلام كل ذلك بهدوء تام وكأنهما تعرفان بعض من زمن
أما أنا فمددة بقربهما في نومي العميق
قالت روحي للصغيرة :
- تحبينها صحيح
قالت الصغيرة :
- طبعاً.
الروح مشيرة إليّ:
- لقد نامت وهي متشوقة لرؤيتك .
الصغيرة : أدري لكني لم استطع الخروج.
الروح : أتخافين منها ؟
الصغيرة : جدا
الروح : ما الذي يخيفك فيها .
الصغيرة : اندفاعها .
الروح : كيف؟
الصغيرة  : إنها متهورة إنها لا تحسن التحكم بإنفعالاتها فرحها قوي حماسها قوي وغضبها قوي وحزنها قوي واكتيئآبها قوي إنها لا تعرف إلا الشدة والعنف .
الروح : مسكينها إنها لا تدري عن نفسها
الصغيرة : لكن ذلك يخيفني
الروح : وكيف  نساعدها ؟
الصغيرة : لا أدري لكن عليها ان تتحكم في مشاعرها .
الروح : لعلها تفسر العنف في  مشاعرها بالصدق .
الصغيرة : ربما  يكون هذا صحيح لكنه مخيف .
الروح : لكنك تفهمينها ويمكنك  مسايرتها.
الصغيرة : لا لا ..الأمر لا يتطلب تفهم فقط بل يتطلب قوة ..
ما أستطيع مسايرتها أنا ضعيفه لا أزال صغيرة
إني احتاج لمن يعتني بي لا يمكن أن أكون أنا المعتنية .
الروح : وما الحل أنها فرحة بك وتحتاجك .؟
الصغيرة : عليها أن تتغير.
الروح : لا يمكن أن نجبرها على التغير!!
الصغيرة : لن نجبرها هي ستختار التغير.
الروح : وكيف سنقنعا؟
الصغيرة : سنخيرها ؟
الروح : في أي شيء نخيرها ؟
الصغيرة : سنخيرها بيني وبين العنف ؟
الروح : طبعا ستختارك لكن تحتاج لوقت لتكتسب الرفق
الصغيرة : لا مشكلة ...سوف أنتظرها حتى تكتسبه
الروح : لكنها لا تعرف الكيفيه؟
الصغيرة: بل قد عرفتها
الروح : متى عرفتها ؟
الصغيرة : مذ  بدأت في بناء هذا البيت ..(وأشارت إلى البيت الصغير على الرصيف)