01‏/09‏/2011

الزهريات


 بعثرت كل شيء فتشت كل الأدراج و نفضت فراشها و نظرت خلف كل الستائر و رفعت السجاد و لم تترك مكانا حتى ملابسها بحثت في كل خفاياها و شعرها فكته ونفشته ..
لم يبقى إلا مكانا واحدا إنها الصخور الثلاثة في وسط غرفتها !
صخرة تبلغ ثلثي طولها  وصخرتين أصغر بجانبها  وجود هذه الصخور في غرفة صغيرة  بأثاث أنيق لم يكن منطقيا بالنسبة لي أنا أما هي فتراها جزء من غرفتها لم يثر وجودها استنكارها أبدا.
لكنها بعد تعب  البحث وفي لحظة اليأس انتبهت  للصخور واقتربت ببطء منها وهي تشير بإصبعها إليها وتقول :
لم يبق إلا هنا .....هنا يجب أن أبحث عن الأسباب .. حاولتُ بكل ما أُتيتُ أن أمنطق الأمور و أن أدعي فهم مايجري لي ومعي إلا أني بقيت تائهة بقيت أكبر من يجهل مايحدث لي وبحثت عن الأسباب في كل مكان قابل للبحث فيه لكني لم أفكر يوما في الصخور !!
لمست الصخرة الوسطى الكبيرة بيديها ثم قالت بسم الله ودفعتها لتزحزحها عن مكانها فانزاحت بسرعة تفوق قوة الدفع وكأنها صخرة بعجلات
ورأت تحت الصخرة فوهة بحجم الصخرة مظلمة وما كانت تحب الظلمة لكنها رأت أن هذه الفوهة باب اكتشاف فُتِح لها وشعرت بيدين كبيرتين بقربها معها حبل غليظ  فأمسكت اليدين بطرف الحبل وألقت بطرفه الآخر إلى الأسفل و حثتها على النزول ورأت هي أن لابد لها من النزول والاكتشاف بعد ما هُيأت لها  السبل  فتمسكت بالحبل ثم وضعت إحدى رجليها داخل الحفرة وأتبعتها الأخرى ونزلت ببطء وحذر حتى صكت قدميها بأرض صلبة في الأعماق المظلمة فتركت الحبل الذي بقي يتدلى بجانبها ومشت خطوات في ظلمة حالكة ثم جلست و ضربت الأرض بيمينها وسمعت لضرباتها صدى في المكان ثم قالت :
أيوجد أحد هنا ؟
فما أن أنهت الحرف الأخير حتى أحست بيد تمس يدها وترفعها من على الأرض ثم تضمها يد أخرى بحنان  فجفلت وتراجت ثم سمعت صوت شيخ كبير يقول :
- مرحبا بك ابتي ..
فسحبت يدها خائفة وقالت :
- من أنت ؟
قال : أنا الخير.
 قالت :
- الخير؟! وهل الخير يحتاج أن يختبيء عن الناس أسفل الأرض ويسكن الظلمة ؟!
قال :
- نعم أنا الخير الذي لم تكتشفيه إلا هذه اللحظة.
 قالت:
 - لكنك مخيف !!
قال:
 - نعم أبدو مخيفا أحيانا .
قالت :
- اسمع أنا جيئت أبحث عن الأسباب وعن تفسير منطقي للأمورمن حولي فهل يعقل أن تكون أنت سبب تعقد أموري وبعثرت حالي ؟!
ابتسم الشيخ فلم ترى ابتسامته في الظلمة ثم قال :
- أنا الخير الذي تحتاجينة لتسير أمورك منسابة ولتجمعي به شتات أمرك .
قالت:
- أنا لا أكرة الخير لكني حالياً في حاجة شديدة لمعرفة الأسباب و طبيعة ما يحدث بالضبط أريد معرفة كل الأسباب التي تعثرني في طريقي لأكن على بيِّنة و  بذكاء كافي يحميني.
ابتسم الشيخ ثانيه من غير أن تراه هي وربَّت على يدها وبها قليل من الخوف منه وقال:
- وجودي في حياتك وتعرفك علي يكفل لك ذلك كله وأكثر.
 فقالت في عناد :
- لكني مصممة على معرفة الأسباب .
قال :
- أتعرفين لِمَ تصرين على معرفة الأسباب رغم كل ماقلته لك ؟
قالت :
- نعم أعرف ..أُصِرُّ لأني كرهت بقائي جاهلة وغبية .
 ابتسم وقال :
- بل لأنك لا تثقين بي
ردت هي :
- لا أنا أصدقك فلا يمكن أن توجد في هذه الأعماق البعيد ة و تتكلم بكل هذا الهدوء وهذه الثقة ثم تكون كاذباً.
فقال الشيخ :
- ليس الأمر في صدقي من عدمه لكن الأمر في درجة تصديقك وثقتك بقولي .
استحت المرأة من نفسها ومن سخف مجادلتها ثم قالت :
- طيب كيف سيكون الأمر إن بلغت مرتبة عُليا من تصديقك؟
قال :
 - أول ما سيحدث أن هذه الظلمة التي تلفنا ستنكشف وسترينني ثم سترين أن هذه الحفرة العميقة ماهي إلا أرض مستويه في وسط غرفتك.
 قالت :
- والصخرة الكبير والأخريتان على جانبيها ؟
قال :
- سترين زهرية كبيرة على جانبيها زهريتن أصغر منها وقد تحملينها كلها وتبدلي أماكنها من وسط الغرفة إلى مكان آخر لئلا تتعثري بهما أو يتعثر بهما غيرك.
كان الشيخ يتكلم وهي ترى مايقول في خيالها وما أن انتهى حتى قالت :
- نعم لقد رأيت كل ذلك في خيالي وأراني أصدقك .

ومع كلمة ( أصدقك ) التي قالها قلبها ولسانها أضاء المكان فرأت أمامها الشيخ الكبير يلبس ثوبا أخضرو له لحة بيضاء ثم ارتفع بهما المكان حتى تساوت أرضهما بأرض غرفتها ثم رأت الزهريات الثلات حولها فحملتها جميعا وذهبت تتخير لها أماكن في جوانب  الغرفة.

هناك تعليق واحد:

محمد عبد التواب يقول...

مدونة ممتازة ومقال رائع شكرا لك وبارك الله فيك وبالتوفيق ...