18‏/09‏/2011

صورة السخط

كان يدور في غرفة أرضها وجدرانها من الإسمنت ولها نافذة بقضبان  وباب من حديد ..
يدور في الغرفة ثم يتوقف وينظر يمينا فيرى وجه امرأته الجميلة فيبصق فيه ,ثم يلتفت يسارا فيرى أطفاله الثلاثة يلعبون فيصرخ بهم ويفض جمعهم ,ثم يفتح الباب فيرى أصدقاءه يبتسمون له فيغلقه في وجوههم وهو يسب ويشتم .
ويعود للدوران فيرى وجه أمه وأبيه ويشيح عنهم بوجهه ثم يصطدم براوي القصة فيصرخ به قائلاً :
- وأنت أيضا ماذا تريد ؟
فيرد الراوي بقوله :
- تبدو ساخطا !!
- وما شأنك ؟
- ليس لي شأن إنما هي ملاحظة .
- لم أطلب ملاحظاتك .
- أأستطيع مساعدتك ؟
- نعم بالكف عن الكلام معي.
- جئت لأساعدك .
- جئت لمساعدتي أم لتروي مأساتي ؟!
- ما أنا إلا راوي .
- لم آذن لك برواية قصتي .
- لكني لم أستأذنك !
- لعنة الله عليك .
- ألم أقل لك : (تبدو ساخطا ).
- أجئت لتقدم المواعظ؟
- بل لأقدم يد المساعدة .
- إذاً كفّ عمّا تفعل ..كفّ عن الرواية .
- قد تساعدك رواية حالك .
- لكني لم آذن لك !
- وما الذي يزعجك فيها .
- إنها تحكي عيوبي .
- وما عيبك ؟
- أنت تريد أن أكون عبرة وعظة لغيري !!!
- لم أقل ذلك .
- لكن ذلك ما سيحصل .
- لتدعه يحصل .
- وأي مساعدة لي في ذلك ؟
- أنت لا زلت ترفض المساعدة .
- لا لن أرفض المساعدة .... الآن هات ما عندك ...بِمَ ستساعدني ؟
- بأشياء كثيرة .
- مثل ...
- مثل أن تفكر في حالك .
- ما به حالي ؟
- هل يسعدك حالك ؟
- بربك أتسمي هذا السؤال مساعدة ؟
- نعم ..لأنك لم تفكر فيه قط .
- لتعلم أن ما أتعبني إلا التفكير بأن حالي لا يسعدني .
- إذن أنت ساخط .
فصرخ الرجل في غيض :
- نعم ساخط .. أسررت الآن ؟ أوصلت إلى ما تريد سماعه ؟
نعم أنا ساخط ..يا عالم ..يا كائنات.. ياكون  أنا ساخط ساخط ساخط
و سكت قليلا ثم عاد يقول بعد لحظة هدوء :
- هيّا قل لي بما تستطيع مساعدتي ؟
ورد الراوي بهدوء ورحمة :
- أتحب الله ؟
فأجاب الرجل بغلظة :
- ويلك ستبدأ في المواعظ؟ لن أسمع لك ..إني لا أحب المواعظ.
- ما المواعظ في نظرك ؟
- أي شيء فيه ذكر لله فهو موعظة .
- وما الذي يزعجك فيها ؟
- هي لا تزعجني لكنها لا تهزني ولا توقظني ولا تؤثر فيًّ .
- يبدو قلبك قاسيا !!!
- أيها الواعظ المعتوه أتسمي أسلوبك وعظا بالحسنى ؟ إنك تنعتني بصاحب القلب القاسي !!
كيف سأسمع لك وأنت تسبني ..لتفرح الآن بما سأقوله لك..(إنك لا تجيد الوعظ ) لذلك قلبي قاس لا يتأثر ..
اسمع لستَ من يستطيع مدُّ يد العون لي ..هيا لتفارق المكان حالا..
هنا شعر الراوي بالأسف والتفت  إلى الرجل وهو يغادر قائلا :
- اقبل اعتذاري كنت أريد المساعدة .
لكن الرجل تجاهله وعاد يدور في الغرفة يملؤه الغضب والسخط.
في هذا الوقت بقي الراوي بقرب باب الغرفة من الخارج رافعا يديه :
- يا رب أردت الخير لكني لم أفلح ..أستغفرك ..سامحني وأصلح قلبي وقلبه .
وأطال الراوي الدعاء وفي غمرته شعر  بصوت ضعيف بعيد فتلفَّت فرأى حجراً أسود صغيرا بقربه يهتز فرفعه فوجد تحته طفل صغير جدا كعقلة الإصبع فحمله في كفِّه ثم قال :
- من أنت ؟
- مخلوق صغير ضعيف (كانت صورته صورة الرجل الساخط وهو طفل صغير )
- ماذا تفعل هنا ؟
- قد سمعت ما دار بينك وبين صاحبنا أدخلني عليه فأنا أستطيع مساعدته .
استجاب الراوي وأدخل الصغير من تحت باب الغرفة وكان الرجل نائما فاقترب الصغير منه وجلس بقرب أذنه اليمنى وقال :
(يا صاحبي فيك خير كثير
يا صاحبي ما أنت فيه كرب سيفرجه الله.
يا صاحبي لا تنصت لأحد فقط أنصت لقلبك الطيب .
يا صاحبي إني أحبك فأحب نفسك .
يا صاحبي والله يحبك.
يا صاحبي إذا استيقظت ستجد بقربك هدية فاقبلها ولا تردها.)
ثم أسرع المخلوق الصغير بالخروج من حيث دخل لمَّا أحسَّ بدنو يقظة الرجل.
وقام الرجل من نومه بهدوء غير معتاد فرأى في وسط الغرفة كتاب أخضر ثم رأى فإذا به المصحف الكريم فتذكر أنه سمع صوتا وهو نائم يبشره بهديّة فتبسّم ومس المصحف بيديه فانفتح باب الغرفة على مصراعيه وتكسرت قضبان النافذة وشعّ ضوء الشمس يملأ الغرفة وسمع للحياة بالخارج ضجيج محبب.

هناك 5 تعليقات:

وظائف الخالية يقول...

ممتاز جدا ورائع وفكر جميل ...

وظائف مصرية يقول...

مدونة ممتازة ورائعة وفكر قوى شكرا لك ...

وظيفة مصر يقول...

مقال رائع وجميل شكرا لك ...

وظائف خالية مصر يقول...

المدونة ممتعة وجيدة ...

أحلى حاجة دوت كوم يقول...

ربما كانت هذه هي زيارتي الأولي لهذه المدونة .. ولكنها حتماً لن تكون الأخيرة
فالمرء يقابل أحياناً من يظن في نفسه القدرة على التدوين .. وهم كثير
ولكنه يأتي عليه يوم - مثل هذا اليوم - يقابل فيه من يلتهم كلماتهم المكتوبة التهاماً
شكراً لك على العرض الرائع :)